﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 الفرقة الناجية  

القسم : متفرقات عقائدية   ||   التاريخ : 2025 / 07 / 12   ||   القرّاء : 32

🔴 الفرقة الناجية 

على مرِّ العصور وكرِّ الدهور، ما من طائفةٍ إلا وادَّعت، وما مِنْ جماعةٍ إلا وتوهَّمت، وما مِنْ مِلَّةٍ إلا وزعمت: "نحن المصطفَون دون الكائنات، السالكون سُبُلَ الهدى والبيِّنات، الفائزون بوراثة الجنَّات، وسوانا إلى الهلكات والحسرات وأسفل الدركات". 

هي دعوى قديمةٌ تتردَّد، وخُرافةٌ باسم الدين تتجدَّد.

 

دعوى اليهود

فأمَّا دعوى اليهود، فكما في العهد القديم:

"لأَنَّكَ أَنْتَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. إِيَّاكَ قَدِ اخْتَارَ الرَّبُّ إِلَهُكَ لِتَكُونَ لَهُ شَعْبًا أَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ" [سفر التثنية ٧: ٦].

زعم الكثير مِنَ اليهود أنَّ هذه الآية وأمثالها تدلِّل على أنَّهم شعب اللّٰه المختار لخلافة الأرض والاختصاص بالفردوس إلى الأبد.

والحقُّ أنَّ جوائز اللّٰه باقية ما بقيت شروطها؛ فإنْ اختصَّ شعبًا بخير، قيَّد ديمومته ببقاء استحقاقهم له، فإنْ فسدوا وأفسدوا، سَلَبَ منهم ما اختصَّهم به.

قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (١١٠)} [آل عمران]؛ يعني (خير أمَّة) ليس لقبًا فخريًّا لكم، وإنَّما هو أثر صلاحكم بأمركم بالمعروف ونهيكم عَنِ المنكر، فإن فسقتم وفككتم عَنْ رقابكم عُرْوَةَ الإيمان، وسلكتم دروب الغَيِّ والطغيان، سلخنا عنكم كلَّ خير سقناه إليكم. 

 

دعوى النصارى 

وأمَّا دعوى النصارى، فكما في العهد الجديد مرويًّا عَنِ المسيح (عليه السلام):

"قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي" [يوحنا ١٤: ٦].

وفي موضعٍ آخر: "مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ" [مرقس ١٦: ١٦].

بهاتين الآيتين وأمثالهما، جنح مِنَ النصارى إلى دعوى الاختصاص بصكوك الغفران والجواز إلى الملكوت بِمَنْ آمن بالمسيح على النحو الذي يعتقدونه بالآب والابن، ومارس طقوسهم؛ كالمعموديَّة.

والحقَّ أقول لكم:

إنَّ مَنْ عَرَفَ المسيح (عليه وعلى أمِّه السلام)، يدرك أنَّه أراد بالإيمانِ به الاعتقادَ برسالةِ التوحيد التي دعا إليها، فهو حِصْنُ المؤمنين الآمِنُ، وأنَّه لم يرد بالتعميد طقسًا ظاهريَّا لتطهير الجسمان، بل سَيْرًا روحانيًّا لتطهير القلب من دنس الشرك والعصيان.

وهكذا تكون المسيحيَّة - كما الموسويَّة والمحمديَّة - دعوةَ إيمان بإله واحد، وتواصيًا بالصلاح والإصلاح. هذه معادلة الفوز والخسران؛ كما جاء في صريح القرآن:

{وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)} [العصر]. 

 

دعوى المسلمين 

وجاء المسلمون ليقعوا فيما وقع فيه أسلافهم مِنْ أهل الكتاب؛ حيث اعتقدوا أنَّ انتسابهم إلى رسالة النبيِّ الخاتم محمَّد (صلَّى اللّٰه عليه وآله وصحبه وسلَّم)، هي جوازهم الحصريُّ إلى الجنَّة. ثمَّ رووا عن النبيِّ هذا الحديث: "افْتَرَقَتِ اليَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً. قِيلَ: مَنْ هِيَ يا رَسُولَ اللّٰهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي". 

فاستندوا إلى ما فهموه مِنْ (ظاهر) هذا الحديث ليبخلوا بالنجاة والجنَّة على إخوتهم، ويضيِّقوهما على كثرتهم، فضلا عَنْ نظرائهم مِنْ أهل الكتاب، فادَّعوا أنَّهما لفرقة واحدة مِنْ فِرَقِ المسلمين خاصَّة دون سواها، فهي التي تستحقُّ النجاة والجنَّة! متوهِّمين أنَّ الفرقة جماعة تنطوي تحت اسمٍ معيَّنٍ سمَّوه، وعَلَمٍ محدَّدٍ رسمُوه. 

 

كلمة الفصل

وهنا السؤال الذي لا يُخفيه عَنْ أهل الفطرة حجاب:

هل النجاة عطيَّةٌ تُنال بالانتساب، أم أنَّها مقامٌ يُبلغ بالسلوك إلى ربِّ الأرباب؟

وجاء الردُّ مِنَ الربِّ الذي لا يُحابِي ولا يُجامِل، بل يحكم بالقسط والعدل الفاصِل:

{لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٢٣) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (١٢٤)} [سورة النساء]

والمعنى:

إنَّ دخول الجنَّة ليس بأمانيِّكم أيُّها المسلمون، ولا بأمانيِّ أهل الكتاب مِنَ اليهود والنصارى، وإنَّما دخول الجنَّة على ضابطة العمل الصالح بعد الإيمان باللّٰه واليوم الآخر؛ فَمَنْ يعمل سوءًا يعاقب عليه، ولن يغنيَه عَنِ العقاب انتماؤه لأي رسالة أو اتِّباعه لأيِّ رسول، ومَنْ يعمل صالحا يُثَبْ عليه كاملا لأيِّ شريعة انتسب.

وما أجلاها آية قوله (عزَّ من قائل):

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)} [البقرة]. 

 

رسالة 

أيُّها السالكُ في دربِ الحقيقة! اِعْلَمْ أنَّ النجاةَ ليست لقبًا في وثيقة، ولا ميراثًا مِنْ شقيق أو شقيقة، ولا رايةً تُعلى في ميادين الشِّقاق، أو تُطوى في ساحات النِّفاق، بل هي استواء على السراط، وتنزُّه عَنِ التفريط والإفراط. 

ثمَّ اعلمْ أنْ ليستِ الفرقةُ الناجيةُ جماعةً رفعتْ اسمَها وأركانُها هاوية، ولا فرقةً انسلَّتْ عَنْ أصلِها بعصبيَّةٍ واهية، ولا حزبًا ابتدع عقيدةً لمصالحَ خاوية.

هم قومٌ صدقوا الوعد، وثبتوا على العهد، وساروا إلى اللّٰه في لَيْلِ المحنة، وصُبْحِ الفتنة. قِلَّةٌ في العدد، كَثْرَةٌ بالمدد، لا يضرُّهم مَنْ خالفهم، ولا يُغريهم مَنْ وافقهم. قد طهَّروا القلبَ مِنَ الكِبْر، وزكُّوا النفسَ مِنَ الغَدْر، وجاهدوا النفس في وِهاد الصبر. ما ادَّعَوا العصمة، ولا زعموا الحُجَّة، ولا احتكروا الجنَّة.

تلك هي الفرقة الناجية، لا يعرفها إلَّا مَنْ أحاط بأسرار الغيبات، ونفذ إلى لُبَابِ النِّيَّات، وخلق الخلق في أزل البدايات.

فالسلامُ على أرواحهم العاليات، ونفوسهم الزاكيات، وقلوبهم المتجرِّدة عَنِ الفانيات. 

➖➖➖➖➖➖➖➖

د. السيد حسين علي الحسيني 

واتساب: 009613804079 



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

البحوث الفقهية

بحوث فلسفية وأخلاقية

البحوث العقائدية

حوارات عقائدية

متفرقات

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 الفرقة الناجية

 طاقة التسليم الروحي

 التنفيس الانفعالي Emotional Catharsis

 عاشوراء والفصح اليهودي (كذبة تاريخية)

 عَظَّمَ أم أَعْظَمَ اللّٰهُ أُجُورَكُم؟

 ظاهرة الصخب في محرَّم

 حقد يزيد على الإمام الحسين بسبب امرأة

 حكم طعام وجبة العشاء

 حق الأب (رسالة الحقوق)

 علامات آخر الزمان لدى اليهود

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 موت النائب

 سياسة التمساح (في الأدب السياسيّ)

 مد التمكين

 آداب العلاقة الزوجية

 المناجاة الثانية عشرة: مناجاة العارفين

 بيان النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر

 الوليّ المولى

 العلاج من المرض

 الدفن

 شهر رمضان المبارك

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net