متلازمة بيتر بان (Peter Pan Syndrome)
تعريفها
"هي مصطلح نفسيٌّ يُستخدم لوصف حالة من التثبُّت الانفعاليِّ والنمائيِّ عند مرحلة المراهقة أو الشباب؛ حيث يرفض الفرد النضج وتحمُّل المسؤوليَّات الاجتماعيَّة والعاطفيَّة والمهنيَّة، مفضِّلًا البقاء في عالم الطفولة والخيال والحرِّيَّة المطلقة من القيود".
سبب تسميتها
سُمّيت (متلازمة بيتر بان) بهذا الاسم نسبةً إلى شخصيَّة (بيتر بان) التي ابتكرها الكاتب الاسكتلنديُّ: (جيمس ماثيو باري) في روايته الشهيرة: (Peter Pan) الصادرة عام ١٩١١م.
و(بيتر بان): فتى يعيش في جزيرة (نيفرلاند) السحريَّة، يرفض أنْ يكبر أو ينضج، ويقضي حياته في اللَّعب والمغامرة بعيدًا عن مسؤوليَّات والتزامات العالم الواقعيِّ.
وهكذا انتقلت هذه التسمية من الرمزيَّة الأدبيَّة إلى الاصطلاح النفسيِّ الاجتماعيِّ. وأوَّل من استخدم هذا المصطلح علميًّا، هو الطبيب النفسيُّ الإسبانيُّ: (خوان مانويل دي لابوردا) عام ١٩٨٣م في كتابه:
The Peter Pan Syndrome :Men Who Have Never Grown Up
أي: (متلازمة بيتر بان): الرجال الذين لم يكبروا أبدًا.
فلسفتها النفسيَّة
من المنظور الفلسفيِّ، تُجسِّد (متلازمة بيتر بان) صراعًا وجوديًّا بين الحرِّيَّة والواجب، والطفولة والنضج، واللَّذَّة والمسؤوليَّة؛ فهي محاولة للهروب من ثقل الزمن والالتزامات، وتمثِّل حالة (نرجسيَّة - وجوديَّة) تسعى لتجميد الذات في لحظة بهجة طفوليَّة، بعيدًا عن مواجهة الحقيقة والحدود الإنسانيَّة.
وبحسب الفيلسوف الوجوديِّ الألمانيِّ (مارتن هايدغر)، إنَّ جوهر هذه المتلازمة هو الفرار من (الوجود الأصيل)، الذي يمثِّل عيش الإنسان بوعي حقيقيٍّ لذاته ومسؤوليَّته، إلى (الوجود غير الأصيل) الذي يمثِّل الانغماس في السطحيَّة بعيدًا عن المسؤوليَّة.
فلسفتها الدينيَّة
من الناحية الدينيَّة، تمثِّل (متلازمة بيتر بان) نكوصًا عن التكليف والابتلاء، وانسحابًا من امتحان الوجود الذي يقوم على المسؤوليَّة والعمل والإعمار.
فالدين ينظر إلى النضج على أنَّه لحظة التكريم الإلهيِّ بالتكليف الذي يحمل الإنسان على صراط التكامل. وبالتالي، فمن يرفض النضوج، يرفض ضمنًا أن يسير على هذا الصراط هربًا من الأمانة التي حملها في (عالم الذرِّ)، والتي قال عنها اللّٰه تعالى:
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢)} [الأحزاب].
وعليه، فمن لم يجاهد نفسه كفاية ليخرج من عالم اللامسؤوليَّة إلى العالم الذي أراده له الحكيم تعالى ليعيش إنسانيَّته سبيلًا موصِلًا للكمال، فهو ظالم لنفسه، وجاهل بمآله.
أسبابها
١. الأسباب النفسيَّة:
تنشأ المتلازمة غالبًا من صعوبات في النضج العاطفيِّ، وفشل الفرد في مواجهة مخاوفه الداخليَّة؛ مثل: الخوف اللاواعي من الفشل أو الرفض، ممَّا يدفعه للهرب من المسؤوليَّات، وتفضيل البقاء في مرحلة الطفولة النفسيَّة.
٢. الأسباب السلوكيَّة:
تتجلَّى في أنماط سلوك متكرِّرة تشمل التسويف، ومقاومة الالتزام بالواجبات، والانغماس في المتعة الفوريَّة، وتجنُّب العواقب طويلة الأمد، ممَّا يعزِّز استمرار الشخص في حالة الهروب النفسيِّ.
٣. الأسباب الاجتماعيَّة:
تنتج غالبًا عن بيئة اجتماعيَّة وأسرة مفرطة التدليل، أو غير محفِّزة للاستقلاليَّة، أو مجتمعات تقلِّل من مواجهة التحدِّيات، ما يجعل الفرد غير قادر على تطوير مهارات العلاقات المستقرَّة، وتحمُّل المسؤوليَّة الاجتماعيَّة.
٤. الأسباب الثقافيَّة والبيئيَّة:
تشجَّع بعض الأنماط الثقافيَّة والبيئيَّة على الاستمتاع الفوريِّ، وتقديس الطفولة، أو تقلِّل من أهميَّة مواجهة المشكلات والتحديات، ممَّا يغذِّي الميل للبقاء في مرحلة الطفولة.
٥. الأسباب الدينيَّة والأخلاقيَّة:
قد تنشأ من ضعف التوجيه الدينيِّ أو الأخلاقيِّ في صقل ضمير الفرد، أو من نقص الانضباط الذاتيِّ في الالتزام بالقيم والواجبات، ممَّا يتركه متشبِّثًا بالراحة والاعتماد على الآخرين في توجيه حياته.
مؤشِّراتها السلوكيَّة
يُلاحظ على المصاب بهذه المتلازمة عدَّة مؤشِّرات واضحة؛ منها:
١. الميل للَّعب والهروب من المسؤوليَّات.
٢. صعوبة الالتزام بالوظائف أو العلاقات طويلة الأمد؛ لذاك يؤثرون البقاء في بيت العائلة على الزواج والانفصال عنها.
٣. الاعتماد المفرط على الآخرين في اتِّخاذ القرارات.
٤. الانغماس في المتعة الفوريَّة والهوايات دون تقدير العواقب.
٥. مقاومة التخطيط أو مواجهة تحدِّيات الحياة اليوميَّة.
علاجها
١. مواجهة المخاوف وتحمُّل المسؤوليَّة تدريجيًّا عبر جلسات علاج نفسيٍّ فرديٍّ؛ مثل: كتابة قائمة مهام يوميَّة صغيرة والالتزام بها، أو تجربة اتِّخاذ قرارات بسيطة في المواقف اليوميَّة.
٢. تعديل التفكير والسلوكيَّات غير الناضجة وتعزيز الاستقلاليَّة؛ مثل: تعلُّم إدارة الوقت، وتحديد أهداف شخصيَّة قابلة للتحقيق، وممارسة أنشطة تتطلَّب الالتزام والمثابرة.
٣. تقوية العلاقات الاجتماعيَّة الصحيَّة وتقليل الاعتماد على الآخرين؛ مثل: المشاركة في نشاط جماعيٍّ أو نادٍ، وتحمُّل دور مسؤول ضمن فريق عمل أو داخل الأسرة.
٤. الالتزام بالقيم الدينيَّة والأخلاقيَّة عن علم وتحقيق لتعزيز التوازن الداخليِّ؛ مثل: أداء العبادات بشكل منتظم مع ضرورة فهم أسرارها وغاياتها الروحيِّة، وتنظيم الوقت بين العمل والعبادة، والمساهمة الفعليَّة في الأعمال الخيريَّة بشكل منتظم ومسؤول.
➖➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين علي الحسيني
واتساب: 009613804079
|