﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 آداب العلاقة الزوجية 

القسم : الخطب   ||   التاريخ : 2011 / 01 / 27   ||   القرّاء : 16065

       بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله خير الناصرين، وخير الفاصلين، وخير الغافرين، وأحكم الحاكمين، وأسرع الحاسبين. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا أحدا، صمدا، فردا، حيا قيوما، دائما أبدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا. ونشهد أن محمدًا عبده المصطفى ورسوله المنتجب أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. صلى الله عليه وسلّم وعلى آله الأئمة، خزنة علمه، وحفظة دينه، وخلفائه في أرضه، وحججه على عباده. واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، إلى أن يشاء رب العالمين. وبعد

       عباد الله! أوصيكم وأوصي نفسيَ الأمارةَ قبلَكم بتقوى الله الذي >هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا< الأعراف، 189.

       اعتنى الإسلام عناية كبيرة بالعلاقات الاجتماعية، فوضع لها أسسًا وموازينَ تحكمها وتضبطها على نحو تتحقق معه العدالة الاجتماعية. وأجدر هذه العلاقات اهتماما العلاقة الزوجية، لشدة التماسِّ المباشر والدائم بين طرفيها؛ أعني الزوجين. فلا عجب حينها أن نجد شريعتنا تهتم بهذه العلقة التي تختصر المجتمع الكبير، وتشكل نواته الأساسية، فتحددُ الحقوق والواجبات التي تحكم الأسرة وتضبط حركتها؛ حيث يعرف كل فرد حقه فيطالب به حينما يشاء، وواجبه فيقوم به دون أن يشعر بالإجحاف. وإلا فإن الحياة الزوجية ستحفل بالمنازعات وتتحوَّل إلى جحيم لا يطاق.

       وخلافا لما هو شائع في مجتمعاتنا من أن الزواج أشبه بصك ملكية، يملك به الزوج ناصية زوجته، أو ربما العكس؛ حيث تملك المرأة حق التحكم بتصرفات الرجل، ومراقبة تحركاته، فتبث من حوله شبكة أمنية تتابعه بدقة متناهية؛ فما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد. لا! الحق خلاف هذا، فإن الزواج كما وصفه المولى قائلا: >وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا< النساء، 21. يعني عهد الله من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. فالزواج ليس تملكا، وإنما هو عقد إنشاء مؤسسة إنسانية: مديرها الرجل، وراعيتها المرأة، وأفرادها جميع أفراد الأسرة، وقانونها الشريعة الإسلامية العادلة السمحة.

       هذه المؤسسة قائمة على الاحترام المتبادل، والتراضي، والمحبة >وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ< الروم، 21. من هنا يدخل كلا الزوجين في عش الزوجية وهما متمتعان بجميع حقوقهما كإنسان مصون الكرامة، وعارفا بواجباته، فيرتاح ويريح.

       والواجب على الزوج الحقُّ للمرأة، أن يؤمن لزوجته الملبس والمأكل والمسكن اللائق، وأن يعاملها بإحسان ويرفق بحالها؛ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): "أوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم".

       والواجب على الزوجة الحقُّ لزوجها، أن لا تخالف أمر الله في رعاية زوجها، فتتبع رضاه، وتجتنب سخطه، وتطيع أمره، وتجيب دعوته، وتحفظ سرّه، ولا تخرج من بيته إلا بإذنه، ولكن لا على سبيل الحياة العسكرية المبنية على القوانين الصارمة التي لا نقاش فيها، وإنما على سبيل المودة والرحمة؛ قال تعالى: >وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ< الروم، 21.  فالزوجة سكن الزوج، فكما أن أحدَنا حينما يدخل سكنه يلقي عن ظهره كل حمل، ويتمدد على أريكته ليرتاح من مشقة النهار، كذلك الزوجة للزوج، والزوج للزوجة محل السكينة والراحة.

       ولكن إن لم يوجب الإسلام على المرأة أن تقدم الطعام والشراب لزوجها، فلا يعني ذلك أنه لم يحثها على ذلك، وإنما ندب إلى كل ما يحبب، فورد عن إمامنا الباقر (عليه السلام): "ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء، إلا كان خيرا لها من عبادة سنة، صيامَ نهارها وقيامَ ليلها، ويبني الله لها بكل شربة تسقي زوجها مدينة في الجنة، وغفر لها ستين خطيئة".

       وكذلك إن أعطى الإسلام الزوج حق منع الزوجة أن تخرج من بيته إلا بإذنه، هذا لا يعني أن يستغل الرجل هذه الصلاحية ليخنق زوجته، ويضيق عليها، فيبيح لنفسه الخروج مع أصحابه كل ليلة، ويفرض على زوجته أن تنتظره لتقيم له طقوس العبادة. لا! فإن الحكيم سبحانه لم يعطِ الزوج هذا الحق ليتسلط على زوجته ويصب عقده النفسه عليها، وإنما هذا الحق مسؤولية عليه ليحفظ زوجته ويصونها ويرعاها ويرشدها من جهة، وابتلاء له بزوجته، ليُعرف عدله ومدى رحمته.

       وكما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "المرأة ريحانة، وليست قهرمانة". يعني ليست المرأة عاملة المنزل، وإنما هي ريحانته. وقد شبهها الأمير بورد الريحان لعطره الجميل الذي يشبه القرنفل، حتى أن رائحة ساق الريحان أطيب من ورقه؛ إلا أنه ككثير من الورد ضعيف لا يتحمل الشدة، والحر والبرد، حتى أنه يزرع في الأماكن الداخلية، وفي تربة دافئة. وكذلك المرأة، فهي التي تنشر عطرها في أرجاء البيت، بحنانها، ورقتها، وطلاوة لسانها، فحقها أن نرفق بحالها، ونحسن رعياتها، ونشكر الله على ما أنعم، فإن الحياة من دونها خشنة الملمس، لا رائحة لها ولا لون.

       ولقائل أن يقول: إن هذا الكلام المعسول يوحي وكأن المرأة على الدوام ضعيفة وعرضة للظلم وهضم الحق، بينما نجدها في كثير من الأحيان مؤذية لزوجها، بسلاطة لسانها، وكثرة لجّها، وفعلها المنفرات التي تحول بينها وبين رغبة زوجها.

       نقول: إن أكبر خطأ يرتكبه الرجل حينما يعامل المرأة على أنها نده؛ فيحمِّلها بذلك فوق طاقتها، وهذا خلاف الحكمة. فالمرأة ليست رجلا تملك رباطة جأش وصلابة موقف الرجال. فلا تنتظروا من المرأة أن تصبح كالجندي يتلقى الأوامر وينفذها بحرفيتها، ودون تقصير. وليس هذا مثلبةً فيها، وإنما خلقها الله على ذلك؛ لأن جمال المرأة بأنها ليست كالرجل؛ ومما روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنما مثل المرأة مثل الضلع المعوج، إن تركته انتفعت به، وإن أقمته كسرته". وتشبيه المرأة بالضلع المعوج من حيث غلبة العاطفة عليها، فإن الضلع إذا حنَّ عطف طرفاه فاعوج، وإذا اعوج صارا قابلا للكسر بسهولة، مما يحتم علينا أن نتركه كما هو لننعم به.

       ولكن هذا لا يعني أن يترك الرجل النصيحة والتوجيه، بل هذا مطلوب وواجب؛ لأن الذي جعل الرجل قوّاما على زوجته فقال: >الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ...< النساء، 34. أراد أن يرشد الرجل زوجته إلى ما فيه صلاح شأنها، وإلا كان عليه وزرها. وكذلك على المرأة بحكم هذا الرابط المقدس بينهما أن تنصح زوجها، وتكون مرآته على حد سواء.

إذًا الحوار والتناصح مطلوبان، فلا ينسَ الزوجان، وخصوصا في مستهل الحياة الزوجية، أنهما من بيئتين مختلفتين، لذا على كل منهما أن يتوقع صدور أفعال قد لا تتناسب مع أخلاقيته التي اكتسبها من بيئته. من هنا كانت ضرورة التحادث والتصارح، ليفهم كل منهما الآخر. وهنا أحب أن أروي قصة يرويها موسى بن سعيد الراسبي الشعبي أن شريح القاضي لقيه فنصحه بنساء تميم، فلما سأله عن ذلك، ذكر له قصته مع زوجته زينب بنت حدير، فقال: "لما أدخِلت عليّ قلت: إن من السنّة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين. ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها. فتوضأت. فإذا هي تتوضأ بوضوئي، وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي، فلما قضيت صلاتي وخلا البيت دنوت منها، فمددت يدي إلى ناصيتها، فقالت على رسلك أبا أمية. ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، أما بعد... فإني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك، فبيّن لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأجتنبه، فإنه قد كان لك منكحٌ في قومك، ولي في قومي مثلُ ذلك، ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولا، وقد ملكت، فاصنع ما أمرك الله تعالى به، إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولك ولجميع المسلمين.

قال: فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، أما بعد... فإنك قلت كلاماً إن ثبتِّ عليه يكن ذلك حظاً لي، وإن تدّعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وأكره كذا، وما رأيتِ من حسنة فابثثيها، وما رأيت من سيئة فاستريها. فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت: ما أحب أن يملني أصهاري.

قالت: فمن تحب من جيرانك يدخل دارك آذن له، ومن تكرهْه أكرهْه؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء. قال: فبت معها يا شعبي بأنعم ليلة، ومكثت معي حولا لا أرى منها إلا ما أحب".

بهذا الأسلوب الراقي حفظت المرأة زوجها، وكسبته رضاه ومحبته. وما أحسن ما أوصت به أسماء بنت خارجة الفزاري لابنتها عند زفافها؛ حيث قالت: يا بنية! إنك خرجت من العش الذي فيه درجت، فصرت إلى فراش لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أرضا يكن لك سماء، وكوني له مهدا يكن لك عمادا، وكوني له أمة يكن لك عبدا، لا تلحي عليه فيكرهك، ولا تباعدي عنه فينساك، وإن دنا منك فاقربي منه، وإن نأى عنك فابعدي عنه، واحفظـي أنفـه وسمعـه وعينـه، فـلا يشمـن منـك إلا طيبـا، ولا يسمـع منـك إلا حسنـا، ولا ينظـر إلا جميـلا.

ما أحوجنا إلى مثل هذه النصائح، نربي عليها أولادنا وبناتنا، فنبني بهم مجتمعا مسلِمًا سليمًا و معاﻓﻰ.

          أسأل الله تعالى، أن يؤدبنا بآداب الإسلام، وينفعنا بتعاليمه، إنه سميع مجيب. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. 



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث الفقهية

البحوث العقائدية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

سؤال واستخارة

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 كَبُرْتُ اليوم

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 العدالة

 السعادة

 قوى النفس

 البدن والنفس

 تلذُّذ النفس وتألمها

 العبادة البدنية والنفسية

 العلاقة بين الأخلاق والمعرفة

 المَلَكَة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 الأدلة القرآنية على إمامة علي (عليه السلام)

 أنواع الطلاق

 الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام)

 المقدِّم المؤخِّر

 المحيي المميت

 صوم القضاء والنذر

 ليلة القدر

 الرغبة في ممارسات الحب فطريتها وشرعيتها

 السلام

 زمن ومكان دفع زكاة الفطرة

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net